الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وقيل} أي: لهم على أفظع الأحوال وأشدها قولا لا معقب له فكأنه بلسان كل قائل {اليوم ننساكم} أي: نترككم في العذاب {كما نسيتم لقاء يومكم هذا} أي: كما تركتم الإيمان والعمل للقائه. وقيل: نجعلكم منزلة الشيء المنسي غير المبالى به كما لم تبالوا أنتم بلقاء يومكم هذا ولم تلتفتوا إليه {ومأواكم النار} ليس لكم براح عنها {وما لكم من ناصرين} ينقذونكم من ذلك بشفاعة ولا مقاهرة فجمع الله تعالى عليهم من وجوه العذاب ثلاثة أشيئاء: قطع الرحمة عنهم. وتصيير مأواهم النار. وعدم الأنصار؛ لأنهم أتوا بثلاثة أنواع من الأعمال القبيحة وهي: الإصرار على إنكار الدين الحق. والاستهزاء به والسخرية. والاستغراق في حب الدنيا. وهو المراد بقوله تعالى: {ذلكم} أي: العذاب العظيم {بأنكم اتخذتم} أي: بتكليف منكم لأنفسكم {آيات الله} أي: الملك الأعظم {هزوًا} أي: استهزاء بها ولم تتفكروا فيها. وقرأ {اتخذتم} ابن كثير وحفص بإظهار الذال عند التاء والباقون بالإدغام {وغرتكم الحياة الدنيا} الدنيئة لضعف عقولكم فاثرتموها لكونها حاضرة وأنتم كلابها فقلتم: لا حياة غيرها ولا بعث ولا حساب ولوتعقلتم وصفكم لها لأداكم إلى الإقرأر بالآخرة {فاليوم} أي: بعد إيوائهم فيها {لا يخرجون منها} أي: النار لأن الله تعالى لا يخرجهم ولا يقدر غيره على ذلك. وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء التحتية وضم الراء. والباقون بضم الياء وفتح الراء {ولا هم يستعتبون} أي: لا يطلب من طالب ما منهم الإعتاب وهو الاعتذار لأنه لا يقبل ذلك اليوم عذر ولا توبة.ولما تم الكلام في المباحث الروحانية ختم السورة بتحميد الله تعالى فقال عز من قائل: {فلله} أي: الذي له الأمر كله {الحمد} أي: الإحاطة بجميع صفات الكمال {رب السموات} أي: ذوات العلو والاتساع والبركات {ورب الأرض} أي: ذات القبو ل للواردات {رب العالمين} أي: خالق ما ذكر إذ الكلُّ نعمة منه دال على كمال قدرته فاحمدوا الله الذي هو خالق السموات والأرضين وخالق كل العالمين من الأجسام والأرواح والذوات والصفات. فإن هذه توجب الحمد والثناء على كل من المخلوقين والمربوبين.ولما أفاد ذلك غناه الغنى المطلق وسيادته وأنه لا كفء له عطف عليه بعض اللوازم لذلك تنبيهًا على مزيد الاعتناء به لدفع ما يتوهمونه من ادعاء الشركة التي لا يرضونها لأنفسهم فقال تعالى: {وله} أي: وحده {الكبرياء} أي: الكبر الأعظم الذي لا نهاية له {في السموات} كلها {والأرض} جميعًا اللتين فيهما آيات الموقنين روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما أدخلته النار». وفي رواية عذبته وفي رواية قصمته {وهو} وحده {العزيز} الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء {الحكيم} الذي يضع الأشيئاء في مواضعها ولا يضع شيئًا إلا كذلك كما أحكم أمره ونهيه وجميع شرعه. وأحكم نظم هذا القرآن جملًا وآيات وفواصل وغايات بعد أن حرر معانيه وتنزيله فصار معجزًا في نظمه ومعناه وما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة حم الجاثية ستر الله عورته وسكن روعته يوم الحساب» حديث موضوع. اهـ.
.قال الشوكاني في الآيات السابقة: {وللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.لما ذكر سبحانه ما احتج به المشركون. وما أجاب به عليهم ذكر اختصاصه بالملك. فقال: {وللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} أي: هو المتصرف فيهما وحده لا يشاركه أحد من عباده. ثم توعد أهل الباطل. فقال: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون} أي: المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل يظهر في ذلك اليوم خسرانهم؛ لأنهم يصيرون إلى النار. والعامل في {يوم} هو {يخسر}. و{يومئذ} بدل منه. والتنوين للعوض عن المضاف إليه المدلو ل عليه بما أضيف إليه المبدل منه. فيكون التقدير: ويوم تقوم الساعة يوم تقوم الساعة. فيكون بدلًا توكيديًا. والأولى أن يكون العامل في يوم هو ملك. أي: ولله ملك يوم تقوم الساعة؛ ويكون يومئذ معمو لا؛ لـ: {يخسر} {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} الخطاب لكل من يصلح له. أوللنبيّ صلى الله عليه وسلم. والأمة: الملة. ومعنى جاثية: مستوفزة. والمستوفز: الذي لا يصيب الأرض منه إلاّ ركبتاه وأطراف أنامله. وذلك عند الحساب.وقيل معنى جاثية: مجتمعة. قال الفراء: المعنى وترى أهل كلّ ذي دين مجتمعين.وقال عكرمة: متميزة عن غيرها.وقال مؤرج: معناه بلغة قريش: خاضعة.وقال الحسن: باركة على الركب. والجثو: الجلوس على الركب. تقول: جثا يجثو ويجثي جثوًا وجثيًا: إذا جلس على ركبتيه. والأول أولى.ولا ينافيه ورود هذا اللفظ لمعنى آخر في لسان العرب.وقد ورد إطلاق الجثوة على الجماعة من كل شيء في لغة العرب. ومنه قول طرفة يصف قبرين:وظاهر الآية أن هذه الصفة تكون لكل أمة من الأمم من غير فرق بين أهل الأديان المتبعين للرسل. وغيرهم من أهل الشرك.وقال يحيى بن سلام: هو خاصّ بالكفار. والأول أولى.ويؤيده قوله: {كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كتابها}. ولقوله فيما سيأتي {فَأَمَّا الذين ءآمنوا}.ومعنى {إلى كتابها}: إلى الكتاب المنزّل عليها. وقيل: إلى صحيفة أعمالها. وقيل: إلى حسابها. وقيل: اللوح المحفوظ. والأول أولى.قرأ الجمهور {كل أمة} بالرفع على الابتداء. وخبره: {تدعى}. وقرأ يعقوب الحضرمي بالنصب على البدل من {كل أمة}.{اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي يقال لهم: اليوم تجزون ما كنتم تعملون من خير وشرّ.{هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} هذا من تمام ما يقال لهم. والقائل بهذا: هم الملائكة وقيل: هو من قول الله سبحانه. أي: يشهد عليكم. وهو استعارة. يقال: نطق الكتاب بكذا. أي: بيّن. وقيل: إنهم يقرءونه فيذكرون ما عملوا. فكأنه ينطق عليهم بالحق الذي لا زيادة فيه. ولا نقصان. ومحل {ينطق} النصب على الحال. أو الرفع على أنه خبر آخر لاسم الإشارة. وجملة: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تعليل للنطق بالحقّ. أي: نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم. أي: بكتبها. وتثبيتها عليكم.قال الواحدي: وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ. فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم. فيجدون ذلك موافقًا لما يعملونه. قالوا: لأن الاستنساخ لا يكون إلاّ من أصل.وقيل المعنى: نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون.وقيل: إن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد. فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات. وتركوا المباحات.وقيل: إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه أمر عزّ وجلّ أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب. ويسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب.{فَأَمَّا الذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ في رَحْمَتِهِ} أي: الجنة. وهذا تفصيل لحال الفريقين. فالمؤمنون يدخلهم الله برحمته الجنة {ذلك} أي: الإدخال في رحمته {هوالفوز المبين} أي: الظاهر الواضح {وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءاياتى تتلى عَلَيْكُمْ} أي: فيقال لهم ذلك. وهو استفهام توبيخ؛ لأن الرسل قد أتتهم وتلت عليهم آيات الله. فكذبوها ولم يعملوا بها {فاستكبرتم وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} أي: تكبرتم عن قبو لها. وعن الإيمان بها. وكنتم من أهل الإجرام. وهي الاثام. والاجترام الاكتساب. يقال: فلان جريمة أهله: إذا كان كاسبهم. فالمجرم من كسب الاثام بفعل المعاصي {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ} أي: وعده بالبعث والحساب. أوبجميع ما وعد به من الأمور المستقبلة واقع لا محالة {والساعة} أي: القيامة {لاَ رَيْبَ فِيهَا} أي: في وقوعها.قرأ الجمهور {والساعة} بالرفع على الابتداء. أو العطف على موضع اسم إن. وقرأ حمزة بالنصب عطفًا على اسم إن {قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا الساعة} أي: أيّ شيء هي؟ {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} أي: نحدس حدسًا ونتوهم توهمًا.قال المبرد: تقديره: إن نحن إلاّ نظن ظنًا. وقيل التقدير: إن نظنّ إلاّ أنكم تظنون ظنًا. وقيل: إن نظنّ مضمن معنى نعتقد. أي: ما نعتقد إلاّ ظنًا لا علمًا. وقيل: إن ظنًا له صفة مقدّرة. أي: إلاّ ظنًا بينًا. وقيل: إن الظنّ يكون بمعنى العلم والشكّ. فكأنهم قالوا: ما لنا اعتقاد إلاّ الشك {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أي: لم يكن لنا يقين بذلك. ولم يكن معنا إلاّ مجرّد الظنّ أن الساعة اتية.{وَبَدَا لَهُمْ سيئات مَا عَمِلُواْ} أي: ظهر لهم سيئات أعمالهم على الصورة التي هي عليها {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} أي: أحاط بهم. ونزل عليهم جزاء أعمالهم بدخو لهم النار {وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} أي: نترككم في النار كما تركتم العمل لهذا اليوم. وأضاف اللقاء إلى اليوم توسعًا؛ لأنه أضاف إلى الشيء ما هو واقع فيه {وَمَأْوَاكُمُ النار} أي: مسكنكم ومستقرّكم الذين تأو ون إليه {وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} ينصرونكم فيمنعون عنكم العذاب {ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتخذتم ءايات الله هُزُوًا} أي: ذلكم العذاب بسبب أنكم اتخذتم القرآن هزوًا ولعبًا {وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا} أي: خدعتكم بزخارفها وأباطيلها. فظننتم أنه لا دار غيرها. ولا بعث ولا نشور {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} أي: من النار.قرأ الجمهور: {يخرجون} بضم الياء.وفتح الراء مبنيًا للمفعول. وقرأ حمزة. والكسائي بفتح الياء وضمّ الراء مبنيًا للفاعل. والالتفات من الخطاب إلى الغيبة لتحقيرهم {ولاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي: لا يسترضون. ويطلب منهم الرجوع إلى طاعة الله؛ لأنه يوم لا تقبل فيه توبة. ولا تنفع فيه معذرة {فَلِلَّهِ الحمد رَبّ السموات وَرَبّ الأرض رَبّ العالمين} لا يستحقّ الحمد سواه.قرأ الجمهور {ربّ} في المواضع الثلاثة بالجرّ على الصفة للاسم الشريف.وقرأ مجاهد. وحميد. وابن محيصن بالرفع في الثلاثة على تقدير مبتدأ. أي: هو رب السموات إلخ {ولهُ الكبرياء في السموات والأرض} أي: الجلال والعظمة والسلطان. وخصّ السموات والأرض لظهور ذلك فيهما {وَهوالعزيز الحكيم} أي: العزيز في سلطانه. فلا يغالبه مغالب. الحكيم في كل أفعاله وأقواله وجميع أقضيته.وقد أخرج سعيد بن منصور. وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد. وابن أبي حاتم. والبيهقي في البعث عن عبد الله بن باباه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كأني أراكم بالكوم دون جهنم جاثين» ثم قرأ سفيان {ويرى كل أمة جاثية} وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله: {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} قال: كل أمة مع نبيها حتى يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم على كوم قد علا الخلائق. فذلك المقام المحمود.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} قال: هو أمّ الكتاب فيه أعمال بني آدم {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} قال: هم الملائكة يستنسخون أعمال بني آدم.وأخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم عنه بمعناه مطو لا. فقام رجل فقال: يا ابن عباس. ما كنا نرى هذا تكتبه الملائكة في كل يوم وليلة. فقال ابن عباس: إنكم لستم قومًا عربًا {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} هل يستنسخ الشيء إلاّ من كتاب؟ وأخرج ابن جرير عنه نحوه أيضًا. وأخرج ابن جرير عن عليّ بن أبي طالب قال: إن لله ملائكة ينزلون في كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم.وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر نحو ما روي. عن ابن عباس.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: يستنسخ الحفظة من أمّ الكتاب ما يعمل بنوادم. فإنما يعمل الإنسان ما استنسخ الملك من أمّ الكتاب. وأخرج نحوه الحاكم عنه وصححه.وأخرج الطبراني عنه أيضًا في الآية قال: إن الله وكل ملائكته ينسخون من ذلك العام في رمضان ليلة القدر ما يكون في الأرض من حدث إلى مثلها من السنة المقبلة. فيتعارضون به حفظة الله على العباد عشية كل خميس. فيجدون ما رفع الحفظة موافقًا لما في كتابهم ذلك ليس فيه زيادة ولا نقصان.وأخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} قال: نترككم.وأخرج ابن أبي شيبة. ومسلم. وأبوداود. وابن ماجه. وابن مردويه. والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «يقول الله تبارك وتعالى: الكبرياء ردائي. والعظمة إزاري. فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار». اهـ. .قال القاسمي: سورة الجاثية:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.{حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}.قال المهايمي: فعزته تقتضي إفاضة الحجج التي بها الغلبة على الخصوم. وإفاضة الكمالات التي يعسر الوصو ل إليها. وأنواع السعادات. وحدة النظر. والحكمة تقتضي محوالشبه وإزالة النقائص وإحراق الشقاوة وتمهيد الفكر. وقد نزله من مقام عزته بمقتضى حكمته. لتكميل القوة النظرية والعملية. ليتوسل بها إلى الكمالات الحقيقية. من الإيمان. والإيقان. والعقل. وذلك بالنظر إلى أنواع الآيات المتضمنة للحجج. ورفع الشبه؛ فمنها آيات الأجسام.{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لآيات لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيات لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ} أي: مطر. سمي رزقًا لأنه سببه: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي: عن الله. ما وعظهم به ودعائهم إليه.{تِلْكَ آيات اللَّهِ} أي: الدالة على كمال قدرته. وحكمته. وإرادته: {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وآياته يُؤْمِنُونَ} أي: بعد آياته. ودلائله الباهرة. وتقديم اسم الله للمبالغة. والتعظيم. كما في قولك: أعجبني زيد. وكرمه.{وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ} أي: كذاب يتكلم في حق الله. وصفاته على خلاف الدليل: {أَثِيمٍ} أي: بترك الاستدلال. لاسيما إذا لم يترك عن غفلة. بل مع كونه:{يَسْمَعُ آيات اللَّهِ} أي: لا بالإخبار عنها بالغيب. بل: {تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ} أي: على إنكارها: {مُسْتَكْبِرًا} أي: عن قبو لها. لا يتأثر بها أصلًا: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آياتنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا} استهانة بها: {أولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي: من بعد انقضاء اجالهم. عذابها: {ولا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا} أي: من الأموال. والأولاد: {شَيْئًا} أي: من عذاب الله: {ولا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوليَاء} يعني الهتهم التي عبدوها. أو رؤساءهم الذين أطاعوهم في الكفر. واتخذوهم نصراء في الدنيا: {ولهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ هَذَا} أي: القرآن: {هُدًى} أي: بيان ودليل على الحق. يهدي إلى صراط مستقيم من اتبعه. وعمل بما فيه.{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} أي: بتسخيره: {ولتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ} أي: بإستفادة علم. وتجارة. وأمتعة غريبة. وجهاد. وهداية. وغوص فيه؛ لاستخراج لاليه. وصيد منه: {ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: نعمة هذا التسخير. فتعبدوه وحده. وتصرفوا ما أنعم به عليكم. إلى ما خلقتم له.
|